mardi 9 décembre 2008

الصندوق (قصّة قصيرة جدّا) بقلم سعيد محمد الجندوبي


الصندوق

بقلم سعيد محمد الجندوبي

رأت في ما يرى النّائم رجلا ببدلة سوداء أنيقة.

أعطاها صندوقا صغيرا وقال: "إذا ما فتحته فستتحقّق كلّ أحلامكِ!.. ولكنّ شخصا ما، لا تعرفينه، سيموت آنذاك.."

تردّدتْ. ذكرت فقرها ورغبتها في الملابس والسيّارة والشقّة والأسفار. فتحت الصندوق. كان به ورقة عليها بعض الكلمات المبهمة.

استفاقت مذعورة؛ فإذا بزوجها النّائم بجانبها جثّة هامدة.

هزّته هزّا وهي تصرخ: "يا ناس! يا عالم! زوجي مات!"

فجأة، وقع بصرها على ورقة صغيرة. أخذتها فقرأت: "أنتِ لا تعرفين زوجك!"

فكرة مستوحاة من "لعبة الزرّ" للكاتب الأمريكي ريتشارد ماثيسون.

mardi 11 novembre 2008

يوميّات مدرسيّة (3) قصّة


يوميّات مدرسيّة (3) قصّة
"وحش" والأستاذة الحسناء

بقلم سعيد محمد الجندوبي

مرّت أيّام، ثمّ أسابيع، وذات صباح كنّا أثناء حصّة الرياضيّات بصدد فتح بعض العمليّات العويصة، وإذا بباب الفصل يُفتح، ليتسمّر أستاذنا بجانب مكتبه، مشيرا إلينا بعينيه بالوقوف. تقدّم المدير، ثمّ القيّم العام وبينهما امرأة في الثلاثين من العمر، تنمّ ملابسها على درجة عالية من الأناقة والأنوثة، وتنمّ نظراتها على درجة أعلى من الصرامة والحزم.. تكلّم المدير قائلا: "ابتداءً من هذا الأسبوع، سينطلق درس التاريخ والجغرافيا من جديد، مع الأستاذة الآنسة نجلاء.." استفاق عنفوان مراهقتنا لسماع كلمتي "آنسة" و"نجلاء"، فاشرأبّت أعناقنا، وانغرست أنظارنا في الأستاذة الجديدة. وربما شعرت هذه الأخيرة بحسّها الأنثوي بوَخَزات في كامل جسدها، فما كان لها إلاّ أن وضعت يدها على أعلى صدرها تتلمّس أزرار قميصها الجميل، في حين واصل المدير كلامه: "طبعا! لا أريد السماع بأيّ نوع من التشويش ومن العبث.. وملتفتا إلى القيّم العام، الذي أخذ في تحريك رأسه بالإيجاب والتدعيم.. سأُتابع هذا الأمر بنفسي!" قال هذا وقد جال ببصره عبر بعض رموز فصلنا ممّن لهم ذكر وصيط لدى الإدارة.

فجأة قطع الصمت المخيّم على الفصل صوت زميل لنا، كان بأقصى القاعة:
- " تَشَرّفنا!.."
وسرى عبر الصفوف تململ مصحوب بضحك مكتوم، ونزّت عيون بعضنا بالدّمع المنبئ بانفجار بركاني داخلي نخشى من انفلات بعض حممه من إحدى الفوهات فتصيبنا حتما.
فلقد كان "وَحْش" – وهي الكنية التي لصقت بزميلنا المرحّب بالأستاذة الجديدة - أكثرنا اهتماما بأحوال النساء، وأكثرنا حديثا عنهنّ ورغبة فيهنّ.. ومع ذلك فقد كان أقلّنا حظّا في كسب ودّ فتيات المعهد.. سُمّي "وحشا" لدمامة خِلقته ولبدائيّة خُلُقه: فلقد كان شديد السّمرة، خشنة قسماته، بدين، طويل الشعر، عدوّه المشط، بذيء كلامه، سيّئة طباعه.. فكنّا نخشى سطوته، ونتحاشى صحبته لما فيها من جلب لا مردّ له لأشدّ العقوبات المدرسيّة.. وأذكر أنّ فكرة تلقيبه بوحش، نبتت في ذهن مبتدعها على إثر درس في التاريخ حضرناه في بداية السّنة الدراسيّة، وكان موضوعه: "فترة ما قبل التاريخ"، وتحديدا "العصر الحجري"!

بعد لحظات طويلة كالدّهر، خيّم الصّمت من جديد، ونُكّست الرؤوس، في انتظار خطر محدق. تقدّم المدير خطوة، وألقى نحو مصدر الصّوت بنظرة تتطاير منها الحمم، ثمّ قال بنبرة هادئة، حانقة، متوعّدة: "أنت! خذ أدواتك وانتظرني خارج الفصل".. مهمه "وحش" بما يشبه الاعتذار والتبرير، ولكنّ المدير قاطعه وهو يقول من جديد وبنبرة أعلى: "أخرج!".. فما كان من التّلميذ إلاّ الإذعان.

تنفّسنا الصّعداء ونحن نعود إلى تمارين الرّياضيات العويصة.. وكانت في العادة هي مصدر همّنا الوحيد. ثمّ إنّ "وحشا" عاد قُبيل انتهاء الحصّة وقد بدت عليه آثار ما لاقاه في مكتب المدير، فلقد كان وجهه مبلّلا وعيناه منتفختان، وقد تدلّى رباط حذائه..

قال لي زميلي بالجوار، "مجقاص":
- لقد أذاقه "الفلقة".. فالمدير لا يعرف وسيلة للتأديب غيرها!
* * *
كانت زوجة مدير إعداديّتنا عراقيّة، ويبدو أنّ أستاذتنا الجديدة، وهي عراقيّة أيضا، إحدى قريباتها، ولذلك ذهب "وحش" ضحيّة مأساة تداخلت فيها الأبعاد التربويّة والروابط الأسريّة والمشاريع الوحدويّة.


(يتبع)

jeudi 9 octobre 2008

يوميّات مدرسيّة - 2- جيوغرافي


يوميّات مدرسيّة 2

جِيُغْرَافِي



صادف رسوبي تغييرا جذريّا في بعض البرامج والموادّ المدرسيّة، فبجرّة قلم وزاري تمّ تعريب مادّة الجغرافيا بعد أن كانت تُدرّس منذ سنوات عديدة باللّغة الفرنسيّة. وبذلك تسنّى لي أن أدرسها باللّغتين؛ وكانت أستاذتنا قد تعلّمت تلك المادّة بالفرنسيّة، ودرّستها طيلة سنوات بلغة فولتير، وها هي الآن مجبرة على تدريسها لنا بلغة الضّاد. كان ذلك عليها أمرا عسيرا، ولم يكن وضعها كامرأة حامل ليعينها على تلك المهمّة الشّاقة، لا سيّما وقد ضمّ فصلنا ذو الأربعين طالبا عددا لا بأس به من "العابثين"، كما وصفهم ذات يوم، أستاذ التربية الإسلاميّة. وكثيرا ما تشتدّ وطأة الدرس على أستاذتنا المسكينة، فتكثر أخطاؤها، وتتداخل عندها الفصحى ببعض الألفاظ العاميّة، فتزداد فورة الفصل بتأجيج من "العابثين"، فتتهاوى على كرسيّها، وراء المكتب، مستسلمة للقضاء، منتظرة صفّارة الخلاص.

دام هذا الوضع عدّة أسابيع، وذات صباح حظرنا لدرس الجغرافيا، ولم تحظر الأستاذة. أعلَمنا القيّم العام بأنّ أستاذتنا سيطول غيابها لأسباب صحّيّة، وبأنّ الإدارة بصدد البحث عن حلول لتعويضها، ودعونا الله خاشعين بأن لا تتوصّل الإدارة إلى حلّ!

وذات صباح كنّا منكبّين على امتحان في مادّة العربيّة، وإذا بباب الفصل يفتحُ، فيدخل مدير المعهد، مصحوبا بالقيّم العامّ، وعلى سحنتيهما علامات لا تُنبئُ بخير. وقف الجميع احتراما ورهبة، وعمّ صمت جنائزي. تحدّث المدير بنبرة يتخلّلها الحزم والصرامة: "يُحزنني أن أعلمكم بنبأ وفاة "مادام ج."، أستاذة التّاريخ والجغرافيا. وسيقع تعويضها في أقرب الآجال". خيّم على الفصل صمت رهيب، لم يتخلّله غير شهقات أستاذة العربيّة. ربّت المدير على كتفها بلطف أبوي لم نعهده فيه، وأشار إلينا بمغادرة الفصل بهدوء.

في الخارج، جلسنا ولم ينبس أحد منّا بكلمة واحدة، وكأنّ شعورا بالذّنب وبالندّم انتابنا جميعا. وانبرى محمد م. وافقا، وكان المتديّن الوحيد بالفصل، فقال برهبة وخشوع: "أدعوكم لقراءة سورة الفاتحة ترحّما على روح الأستاذة". وامتدّت الأيدي ونُكّست الرؤوس في خشوع صادق.

mardi 12 août 2008

تحت الشّمس - قصّة قصيرة جدّا








تحت الشّمس

بقلم سعيد محمد الجندوبي


رأت فيما يرى النّائم مدينة بها بنايات عالية تناطح بسطوحها السحب، ويجوس خلال شوارعها أُناس كأنّها تعرفهم، وهُم عراة، حفاة، يهيمون في كلّ صوب، بلا هدف..

فجأة، دوّت صفّارة إنذار رهيبة، تصدّعت لها الآذان.. خرجت على إثرها جحافل مُتراصّة الصّفوف، يرتدي أفرادها نفس الملابس الداكنة، وعلى رؤوسهم قبّعات سوداء لامعة، وقد غطّت وجوههم أقنعة مخيفة.. بعضهم حمل سياطا، والبعض الآخر هراواة.. ثمّ إنّهم طفقوا يضربون كلّ من طالوه من النّاس..

جرتْ هي مع الجارين بلا هدف، فإذا بلذعة سوط تلحس ظهرها كلسان من اللّهب.. أُغمي عليها..

* * *

عندما استفاقت وجدت نفسها على شاطئ البحر، وقد استقرّت الشمس في كبد السّماء فانزاح ظلّ الشّمسيّة، مبتعدا شيئا فشيئا عن جسدها المحمرّ.

mercredi 2 janvier 2008

حدّثيني عن الحبّ






حدّثيني عن الحبّ

بيار كورناي (1606-1684)

ترجمة سعيد محمد الجندوبي



ماركيز، إذا كان لوجهي

بعض سمات من الهرم

فلتذكري عندما يُدركك سنّي

أنّك لن تكوني أحسن حالا منّي.


فالزمان، على الجميل من الأشياء،

يروق له تسليط الهوان

والزمان سيجيد (حتما) إذبال ورودكِ

كما جعّد منّي الجبين.


ومسار الكواكب ذاته

يسطّر أيّامنا واللّيالي؛

شوهدتُ (في مضى) كما أنتِيَ اليوم،

وغدا، ستكونين كما أنا الآن.


ولكنّ لي بعض المحاسن

تبدو جليّة

لأنّني ما خشيتُ يوما

ممّا يخلّفه الزّمان من الدّمار.


تملكين كلّ ما نهوى،

ولكنّ ما تمقتين،

قد يُكتب له الدّوام

حينما يبلى ما تملكين.


بإمكان ما عندي إنقاذ جاهِ

لحظٍ يبدو لي جميلا،

وبعد ألف عام سيحمل بالأخبار

ما قد أحبّ فيك


لذاك القادم من الأجيال

الّتي تقيم ليَ وزنا

سوف لن تكوني ذات حسن

إلاّ بقدر ما قد قلت فيك من الكلام.


تدبّري، أيا ماركيز، يا ذات الجمال!

لإِنْ أخافتك شيبة شيخٍ،

فحريٌّ بك مغازلته،

إذا كان من أمثالي.